قضايا تنتظر الحسم في عالم ما بعد كورونا.. الدولة والعولمة والتعاون الدولي في قفص المحاكمة

دفعت أزمة انتشار فيروس كورونا إلى سطح السياسة المحلية والدولية، وحتى إلى سطح الجدل بين الناس العاديين، قضايا كبرى كانت تُعد من البديهيات في عالم ما قبل الأزمة.
وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، بدأ قادة العالم والدبلوماسيين والخبراء الجيوسياسيين يدركون جيدًا أننا نشهد مخاض عالم جديد، وفي عالم ما بعد كورونا سيخضع كل ما كان قبله، من الأيديولوجيات المتناحرة إلى القوى السياسية إلى القادة إلى أنظمة التماسك الاجتماعي، كل ذلك سيخضع لعملية إعادة تقييم وسيمثل في قفص المحاكمة أمام الرأي العام العالمي.
وفي أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بل في عموم العالم المتقدم، طفت إلى السطح قضايا جدلية كبرى طغت المناقشات حولها على أزمة فيروس كورونا نفسها، مثل أولوية الاقتصاد على الصحة العامة أو العكس، ومزايا تأسيس منظومة صحية مركزية أو لامركزية، ومساوئ العولمة، ومستقبل الاتحاد الأوروبي، بل ومزايا النظم السياسية السلطوية القادرة على فرض إجراءات صارمة على المجتمع.
وبشكل تلقائي، بدأ العالم بالفعل يستخلص الدروس والعبر من أزمة فيروس كورونا، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقوله "هذه الفترة ستعلمنا الكثير. سوف تنمحي قناعات وآراء كانت راسخة. الكثير من الأمور التي اعتقدنا أن من المستحيل أن تحدث سوف تحدث. لن يكون ما بعد هذه الأزمة كما قبلها. سنخرج منها أقوى وسنتغلب على كل العواقب". ووعد ماكرون بأن يبدأ الخطوة الأولى بضخ استثمارات اكبر في قطاع الرعاية الصحية.
وفي ألمانيا، قال وزير الخارجية السابق زيجمار جابرييل "لقد استخففنا بالدولة وأخذنا نضعف بنيتها لمدة 30 عامًا"، وتوقع أن تبدي الأجيال المقبلة إعجابًا أقل ونفورًا أكبر من العولمة. وفي إيطاليا دعا رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي إلى تشكيل لجنة لدراسة كل ما يتعلق بالمستقبل.
وفي شوارع هونج كونج انتشرت كتابة شعار على الحوائط يقول "لا يمكن أن تعود الأمور إلى طبيعتها لأن الوضع الطبيعي بحد ذاته كان هو المشكلة أصلًا". وفي الولايات المتحدة نبه وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر حكام العالم إلى أن عليهم الاستعداد إلى عالم ما بعد كورونا.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن "العلاقات بين القوى الكبرى لم تكن يومًا أكثر عقمًا من اليوم. لقد برهن لنا فيروس كورونا بوضوح على أننا يجب أن نتكاتف جميعًا معًا أو نتلقى هزيمة ساحقة". أما كبرى مراكز الأبحاث في العالم فهي مشغولة بالتنبؤ بما إذا كانت الصين أم الولايات المتحدة ستكون قائدة عالم ما بعد كورونا.
وفي بريطانيا، عادت ذكرى الأوضاع التي سادت البلاد إبان الحرب العالمية الثانية تداعب الأذهان. واقتبست "الجارديان" من مذكرات الصحفي جي إل هودسون فقرة كتبها عام 1944 وقال فيها "لم يعد هنالك أي عذر يبرر وجود البطالة أو الأحياء الفقيرة أو سوء التغذية. لقد أثبتنا نحن البريطانيون في هذه الحرب أننا لا نغرق في الفوضى. وباستخدام نصف ما لدينا من الاختراعات وموارد الطاقة وبتكاتفنا معًا انتصرنا في هذه الحرب. ما الذي يمكن أن نعجز عنه؟"، وذلك في معرض دفاع هودسون عن ضرورة تبني سياسات يسارية.
وفي السياق ذاته، اضطر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، المنتمي إلى حزب المحافظين اليميني بالأساس، إلى توسيع سلطات الدولة، وبدت أزمة فيروس كورونا وكأنها ساهمت في ترميم رأس المال الاجتماعي في بريطانيا، وتجلى ذلك بوضوح في الجهود التعاونية، مثل التطوع لأداء الخدمات الطبية، وحملات التصفيق للطواقم الطبية في الشوارع.
لقد بدت أزمة فيروس كورونا وكأنها سباق إلى زعامة العالم، ووحدها الدول التي ستثبت كفاءتها وفعالية نظمها السياسية والإدارية هي التي ستنجو بأقل الخسائر وستحظى بشعبية أكبر. والآن تُبقي كل دولة أعينها على الدول المحيطة بها، كي ترى ما ستثمر عنه جهود الحكومات لمحاصرة وباء كورونا.

المصدر : صدي البلد