الديمقراطية في عالم ما بعد كورونا.. هل يعيد الوباء الاعتبار إلى سلطة الدولة في مواجهة الحرية المنفلتة

"لقد استخففنا بالدولة وأخذنا نضعف بنيتها لمدة 30 عامًا"، بهذه العبارة نبه وزير الخارجية الألماني السابق زيجمار جابرييل إلى نقطة ضعف خطيرة كامنة فى بنية النظم الديمقراطية، جاءت ازمة وباء كورونا لتكشفها وتفضحها وتسلط الضوء على خطورتها.
وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، بات قادة العالم والدبلوماسيين والخبراء الجيوسياسيين يدركون جيدًا أننا نشهد مخاض عالم جديد، وفي عالم ما بعد كورونا سيخضع كل ما كان قبله، من الأيديولوجيات المتناحرة إلى القوى السياسية إلى القادة إلى أنظمة التماسك الاجتماعي، كل ذلك سيخضع لعملية إعادة تقييم وسيمثل في قفص المحاكمة أمام الرأي العام العالمي.
وفي أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بل في عموم العالم المتقدم، طفت إلى السطح قضايا جدلية كبرى طغت المناقشات حولها على أزمة فيروس كورونا نفسها، مثل أولوية الاقتصاد على الصحة العامة أو العكس، ومزايا تأسيس منظومة صحية مركزية أو لامركزية، ومساوئ العولمة، ومستقبل الاتحاد الأوروبي، بل ومزايا النظم السياسية السلطوية القادرة على فرض إجراءات صارمة على المجتمع.
وفي السياق ذاته، اضطر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، المنتمي إلى حزب المحافظين اليميني بالأساس، إلى توسيع سلطات الدولة، وبدت أزمة فيروس كورونا وكأنها ساهمت في ترميم رأس المال الاجتماعي في بريطانيا، وتجلى ذلك بوضوح في الجهود التعاونية، مثل التطوع لأداء الخدمات الطبية، وحملات التصفيق للطواقم الطبية في الشوارع.
وتقول المؤسسة البحثية مجموعة الأزمات الدولية "لقد مثلت أزمة فيروس كورونا أيضًا اختبارًا صارمًا لكفاءة نظم الحكم الليبرالية والسلطوية على السواء في الاستجابة لمحنة اجتماعية شديدة الوطأة، واختبارًا لقدرات المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، بل واختبارًا للقيم السياسية والقوى التي تتبناها".
وفي مقال نشره بصحيفة "إل بايس" الإسبانية كتب الفيلسوف الكوري الجنوبي بيونج تشول هان أن الدول التي ستنتصر على أزمة فيروس كورونا هي دول الشرق لا الغرب، مضيفًا "الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا والصين وهونج كونج وتايوان وسنغافورة، تلك الدول التي تهيمن عليها ذهنية سلطوية مستمدة من تقاليدها الثقافية التاريخية. إن الشعوب في تلك الدول أقل ميلًا للتمرد على السلطة وأكثر خضوعًا لها من الشعوب الأوروبية، لأنهم أكثر ثقة في الدولة، والحياة اليومية لديهم أكثر تنظيمًا. وبالأساس، اعتمدت الدول الآسيوية في مكافحة الوباء على المسح الرقمي (الذي تبنته بالأصل لمراقبة السكان لأغراض سياسية). إن الدول الآسيوية لا تعتمد في محاربة الأوبئة على علماء الأوبئة والفيروسات فحسب، وإنما على علماء الحاسب الآلي وخبراء البيانات الرقمية كذلك".
وتنبأ تشول هان بأن "الصين سيمكنها الآن ترويج منظومة الشرطة الرقمية الخاصة بها بعتبارها نموذجًا ناجحًا في مكافحة الأوبئة، وستدافع بفخر أكبر عن نظامها السياسي والإداري السلطوي القوي، وسيكون هذا النموذج أكثر جاذبية للشعوب الغربية التي ستبدي استعدادًا أكبر للتخلي عن حرياتها في سبيل الأمان، لأنها في جميع الأحوال تخلت عن حرياتها بالفعل حين ارتضت البقاء حبيسة المنازل".
وقالت صحيفة "الجارديان" إن الصين دخلت الآن بالفعل مرحلة الانتصار على الوباء، وبدأت بالنظر إلى نفسها باعتبارها منقذة العالم، لا البؤرة التي خرج منها هذا الوباء إلى العالم، وشرع الجيل الجديد من الدبلوماسيين الصينيين الشباب يكتبون بفخر على وسائل التواصل الاجتماعي عن النصر الذي خرجت به بلادهم من المحنة.
وفي مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، كتب منظّر العلاقات الدولية ستيفن والت أن "فيروس كورونا سيعجل بتحول مركز الثقل والنفوذ الدولي من الغرب إلى الشرق. لقد استجابت كوريا الجنوبية وسنغافورة للازمة على أفضل نحو ممكن، وتداركت الصين بكفاءة الأخطاء التي ارتكبتها في بداية الأزمة، أما استجابات الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة فكانت أكثر ارتباكًا وقوضت سمعة نموذج الدولة الغربية".
لكن على الجانب الآخر، يقول الأستاذ بجامعة أشوكا الهندية شيفشنكار مينون إن "الخبرة أثبتت أن الدول السلطوية والشعبوية لم تعالج أزمة كورونا بشكل أفضل، فالحقيقة أن الدول التي استجابت للأزمة مبكرًا وبكفاءة هي دول ديمقراطية بالأساس مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، وليست الدول التي يحكمها حكام مستبدون أو شعبويون".
ويتفق المفكر السياسي الأمريكي الشهير فرنسيس فوكوياما مع هذا الطرح، مؤكدًا أن "الخط الفاصل بشأن الاستجابة الفعالة لأزمة ما ليس هو الخط الفاصل بين الدول الديمقراطية والديكتاتورية، فالمحدد الرئيسي لكفاءة الاستجابة ليس نموذج الحكم وإنما قدرة الدولة ومدى الثقة الشعبية في الحكومة قبل أي شيء آخر".

المصدر : صدي البلد