علاء عبد الحسيب يكتب: المرتزقة

هم بلا ضمير في كل الأحوال.. ينتظرون الأزمات بفارغ الصبر ليبدأوا في وصلة رقص على الجثث مهما كانت الأجساد تنزف.. يهوون الاصطياد في المياه العكرة وينتهزون فرص الانقضاض عليها وإن كانت على حساب الإنسانية والرحمة.. لا يشغلهم سوى جنى الثمار وكنز الأموال وتحقيق الأهداف.
هم متاجرون بآلام الناس.. عرفناهم منذ زمن في أزمات عديدة كانت شاهدة على سيرتهم السوداء.. ضربوا لنا أسوأ الأمثلة في الجشع والاحتكار.. عرفناهم في أزمات نقص الأرز والسكر واسطوانات البوتاجاز .. وعرفناهم في أزمات اختفاء الأدوية ولبن الأطفال وحتى اختفاء الليمون.. وعرفناهم في أزمات نقص المطهرات ومواد التعقيم والكمامات الأخيرة على خلفية الفيروس القاتل.. هم أشبه "بالمرتزقة" يمارسون الفعل دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى سوى المال .. المال فقط .
ماذا بعد الاحتكار في المرض؟.. أي جرم يمكن أن يركتبه إنسان أعظم من المتاجرة بقلق الناس؟ .. أي ذنب يفعله إنسان أعظم من المغالاة في مستلزمات العلاج أو الدواء أو واقيات الأمراض أو احتكارها أو حجبها؟ .. ألم يتعظ هؤلاء من طوفان الفيروس الذي أغرق دول عظمى وأهلك إمبراطوريات ومماليك كبرى؟.. ألم يقرأ هؤلاء الأخبار على صفحات الجرائد والمواقع بشأن إصابة رؤساء ووزراء وشخصيات كبيرة؟.. ألم يتيقنوا بأن الموت أقرب إليهم من حبل الوريد؟ ..
إن ما تعرض له العالم من أزمة كورونا كان مريعا مخيفا آثار ذعرا كبيرا فى أرجاء العالم أجمع، بعد أن عبر الوباء حدود الدول واجتاح شعوبا تنعم بالرفاهية والقوة الاقتصادية والتقدم الطبى المذهل.. قتل الفيروس الهلامي عشرات الآلاف ولا تزال قائمة الوفيات لها الآلاف يوميا.. يتم أطفالا وثكل نساء ولا زال مؤشر الخطر يواصل الارتفاع .. يقف فى مواجهته الجميع إلا هؤلاء فقد اعتبروه فرصه لأن يبحثون عن مصالحهم فقط..
على الجانب الآخر فقد ضرب لنا الطاقم الطبى بكل فئاته أروع الأمثلة في مواجهة الوباء، وسطروا تاريخا عظيم لن ينساه المصريون.. فهم الفئة الأكثر عرضه للخطر في مواجهة الوباء و إنقاذ الأرواح من وباء غير مسبوق فى معركة تبدو نهايتها ضبابية.. وهنا أصبحت مهمة حمايتهم وتقديم كافة المستلزمات والوسائل الطبية مسؤولية الجميع القطاع الخاص والدور المجتمعي قبل الحكومي.. فالخطر أصبح كبيرا وقريبا أيضا والأزمة أصبحت تحتاج لتكاتف ودعم من الجميع..
وفي ظل هذا الحظر الذي يحدق بنا جميعا عن قرب تظل أزمة الاحتكار والمغالاة تطل علينا برأسها، بعد أن قام بعد التجار والشركات العاملة في بيع وتصنيع المستلزمات الطبية برفع سعر توريد الكمامات إلى أرقام قياسية، فقد قفزت الأسعار من ٦-١١ جنيها للعلبة عبوة ٥٠ كمامة إلى ٢٥٠-٢٨٠ جنيها وربما بعد كتابة هذه السطور تتجاوز ٣٠٠ جنيه وربما أكثر، ولا يوجد مبرر لرفع السعر لهذا الحد المستفز وفى هذا الظرف الكارثى الذى يهددنا جميعا.
إن غياب المسؤولية المجتمعية لدي هؤلاء المحتكرين هو غياب للوطنية أيضا، وانسحاب مبكر من ساحة المعركة الأبدية والمصيرية التي ستلتهم نيرانها الجميع إن أدرنا لها ظهورنا.. وهو أمر يجعلنا بالفعل في أمس الحاجة إلى تطبيق القرارات الاستثنائية التي صدرت عن النائب العام بشأن إحالة المحتكرين إلى المحاكمة وتوقيع أقصى عقاب على المخالفين منهم .. حفظ الله مصر ..

المصدر : صدي البلد