نرمين الشال تكتب: المعايير الإنسانية في دعم العمالة

من أعظم القرارات التي سارعت الدولة المصرية باتخاذها لمواجهة تأثيرات أزمة وباء كورونا العالمي على المصريين، كان قرار دعم العمالة اليومية المتضررة، من إجراءات حظر التجول، وغيرها من توصيات منظمة الصحة العالمية بضرورة التباعد الجسدي بين الأفراد، والحقيقة أننا لمسنا تفاعلا كبيرا من المؤسسات والمواطنين لمساندة الدولة في قرارها، وخلال أيام قليلة شهدنا تكاتف وتوحد بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تحقيقا لهذا الغرض الإنساني ومساعدة البسطاء.
بالفعل بدأت بعض المؤسسات في توزيع المساعدات على متضرري الأزمة، فقامت بتخصيص آلاف من عبوات السلع الغذائية لتوزيعها على العمالة اليومية المتضررة من الأزمة الراهنة، لكن إحدى هذه المؤسسات وضعت شرطاً غريبا للحصول على المساعدات، هو أن يكون مدونا ببطاقة الرقم القومي الخاص بالمستفيد المهنة "عامل".
فمن بين الأشخاص المدون في هوياتهم مهنة "عامل" وينطبق عليهم شرط استحقاق عبوات المواد الغذائية، نجد خريجي كليات متميزة، كالعلوم والتجارة، والحقوق والهندسة، قاموا بتعديل المهنة في بطاقة الرقم القومي من قبل لاستخراج جواز سفر يمكنهم من الحصول على تأشيرات عمل حرة، والسفر للخارج، فهل توجد شريعة أو قانون يُقر أن تُحرم الأرامل، والعمالة من النساء اللاتي لا عائل لهن، أو الأرزقية، والباعة الجائلين، وغيرهم من أصحاب المهن غير المنتظمة، ولم يُدون في هوياتهم، المهنة "عامل" ليحصل عليها هؤلاء من ميسوري الحال، وأصحاب الأملاك الذين يتعاملون بالعملة الصعبة!، وهل يستطيع هؤلاء الأميين البسطاء المحتاجين فهم هذا الإجراء الذي يحرمهم من جلب كرتونة طعام لأطفالهم؟
أقول ربما تم الأمر سريعا بسبب الرغبة في إنجاز المهمة سريعا، وإيصال المساعدات لمستحقيها قبل شهر رمضان المبارك، لكن كان عليهم أن يضعوا شرطا أكثر واقعية بدلا من شرط المهنة الزائفة، أعلم مدى صعوبة وما يتطلبه إجراء أبحاث اجتماعية لهذا العدد الهائل من العمالة من جهد ووقت ، وكان أمامنا بديلان، الأول : هو التنسيق مع باحثي ومشرفي الجمعيات الأهلية بوزارة التضامن، وإعداد كشوف أكثر واقعية تراعي الأوضاع الاجتماعية الحقيقية للعمالة، فهم أثبتوا بجهودهم الميدانية خلال الأزمة الراهنة أنهم جيشنا الأخضر، وعلينا استثمار طاقاتهم في وقت تنبأ فيه جميع الدراسات أن الأزمة قد تمتد أو تزداد خلال الأشهر القادمة، ولا يقين عن عودة دورة الحياة الاقتصاد لطبيعتها في المستقبل القريب.
والبديل الآخر: هو الاستعانة بموظفي المحليات، ومشايخ القرى، وشباب المتطوعين للعمل الخيري خاصة في الريف فهم من أقدر الناس على معرفة الأسر الأكثر احتياجا في نطاقهم الجغرافي.
نحن بحاجة الآن لإجراء تصحيحي سريع، ووضع ضوابط عادلة تبتعد بنا عن ظلم هؤلاء البسطاء مع هذه الإجراءات الصعبة والغير واقعية في اختيار مستحقي المساعدة، فالمسألة ليست مجرد كرتونة مواد غذائية، فتحقيق التكافل الحقيقي والعدالة الاجتماعية كان الهدف الأسمى، وهو ضمان لسلامة النسيج الاجتماعي المصري، لذا أرجو أن لا تنتهج مؤسسات أخرى ذات النهج، وإلا وجدنا أنفسنا أمام مأساة اجتماعية حقيقية.

المصدر : صدي البلد