لا يتصور لشاعر غنائى عاصر كوكب الشرق أم كلثوم ولم يتمن أن يجمعهما عملا سويا فحينما تتغنى الست بكلمات الشاعر تزيد نجوميته أضعافا مضاعفة من عشاق ومحبى أم كلثوم ليس فى مصر وحدها، ولكن فى الوطن العربى بأكمله، إلا أن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى الذى نحتفل بذكرى مولده اليوم 11 ابريل، لم يكن واحدًا من هؤلاء وقرر أن يغرد خارج السرب ويكتفى بنجوميته التى حققها بعيدا عن مملكة الست.
ولعل ما جاء على لسان الابنودى فى حوار مع الإعلامى محمود سعد خير دليل «أنا لست من هواة أم كلثوم، لكنى من عشاق عبدالحليم، ولا أتصور أنني ممكن أضيع ساعتين عشان أسمع أغنية لها، الأفضل لي أن أقرأ كتابا لشاعر أو أديب أو عالم».. ليعبر من خلالها عن عدم انتمائه لمدرسة عشاق كوكب الشرق أم كلثوم ، قرر الأبنودى إيمانه بمدارس غنائية أخرى كثيرة على قمتها العندليب عبد الحليم حافظ الذي أهدى له أروع قصائده، إلا انه كان بينه وبين ام كلثوم محاولات للإجتماع فى عمل إلا انها جميعا بائت بالفشل وانتهت بالجفاء بينهم.
ويؤكد «الخال» كلامه، في حوار له مع الإعلامي محمود سعد، في آخر لقاء له قبل رحليه، في 9 أبريل 2015: «علاقتي مع أم كلثوم كانت سيئة والحمد لله، لأن كانت لدى تركيبة مختلفة عنها، ورفضت كتابة أغنية لها تحت عنوان (بالراحة)، وقلت لبليغ حمدي (إنت عاوز تفرج عليا الناس؟ إيه بالراحة دي؟)».
أغضب عبدالرحمن الأبنودى، أم كلثوم أكثر من مرة، وكانت المرة الأولى عندما جاء بليغ حمدى إلى الأبنودى، وهو في غاية السعادة، وقال له: «افرح يا عم.. أم كلثوم هتغنيلك». فردّ الأبنودى بهدوء: «هتغنيلى إيه؟»، بليغ فَرِحًا: «بالراحة يا حبيبى». ، فرد الأبنودى ساخرًا: «بقى أم كلثوم هتغنى أغنية اسمها بالراحة يا حبيبى أنت اتجنيت ولّا إيه؟!، صداقتنا كوم والأغنية دى كوم، أم كلثوم عايزة تغنى لى أكتب أغنية تليق بيها وبيَّا وبيك»،ليرد بليغ مندهشًا: «طب أنا دلوقتى أقول لأم كلثوم إيه؟!»، الأبنودى: «قول لها هاعمل حاجة تليق بيكى».
رفض الأبنودى رفضا قاطعا وحاسما، وبرر ذلك قائلًا: «هذه الأغنية واحدة من الأغانى المسلية التي كنا نكتبها لإذاعة الكويت حتى تظل في الظل بعيدا عن الأضواء"، وكان الأبنودى يرى أن كلمات هذه الأغنية أقل من قيمة ومكانة أم كلثوم التي كان يودّ في أول تعاون بينهما أن تكون في أغنية تليق بمكانتهما، وتضيف إلى رصيدهما، ولم تغفر أم كلثوم للأبنودى هذه الواقعة، وشعرت أنه يرفض الكتابة لها، خصوصًا أن الأبنودى في ذلك التوقيت كان قد وصل إلى أعلى هرم النجومية مع عبدالحليم حافظ، وكانت أم كلثوم تريد الاستفادة من موهبته في إضافة لون جديد إليها، مثلما فعلت مع بليغ حمدى الذي استعانت به بعد أن نجح وتألق مع عبدالحليم، فأضاف إليها نكهة جديدة.
للمرة الثانية وضعت الصدفة الأبنودي في مواجهة أم كلثوم خلال ثورة اليمن حينما طلب الملحن عبدالعظيم عبدالحق من الأبنودي شعرا عن الثورة، فكتب الأبنودي الكلمات لعبد العظيم، ثم وصل الشعر إلى صلاح جاهين الذي نشره في جريدة الأهرام، فاتصل بعدها الإعلامي وجدي الحكيم بالخال يبلغه أن سومة تريد أن تغني هذه الكلمات، فكان رد الأبنودي أنه كتب الشعر لصديقه عبد العظيم، ويجب أن يستأذنه ليتنازل عن الأغنية لسومة، لكن الأخير رفض التنازل إلا بشرط أن يلحن الأغنية، فوقف المشروع واعتبرت أم كلثوم أن الأبنودي يقارنها بعبد العظيم.
وأخيرا جاء العندليب ليضع المسمار الأخير في نعش علاقة الأبنودي وكوكب الشرق، عندما سمعت أم كلثوم عبد الحليم يغني كلمات “ابنك يقولك يا بطل هاتلي نهار.. ابنك يقولك يا بطل هاتلي انتصار”، فطلبت من كمال الطويل أن تغنيها، وبالفعل أبلغ الأخير “الأبنودي” برغبة كوكب الشرق، فرد الأبنودي قائلًا: «دى تالت مرة أم كلثوم تعمل فيّا الحركة دى.. وعموما أنا ماليش دعوة روح قول لعبدالحليم.. إذا كنت لم أضحِّ بعبدالعظيم عبدالحق هل معقول أضحِّى بعبدالحليم» فرفض عبد الحليم بدوره التنازل عنها، وهكذا أغلق باب التعاون للأبد بين أم كلثوم والأبنودي .
المصدر : صدي البلد