انتشرت مؤخرا أقاويل حول طبيعة مرض كورونا الذي يواجهه العالم حاليا، هل هو مرض فيروسي أم غاز أطلق في الجو؟، وهل هو خطر بيولوجي أم كيميائي؟…
ضروري أن نعرف بداية أن خطة الوقاية من الفيروس تختلف عن الغاز فبدلا من استخدام الماسكات الطبية ودرع الوجه الشفاف الذي اتجه العالم لاستخدامه مؤخرا لمنع دخول الفيروس عن طريق العين أو الأنف، سنستخدم ماسكات الغاز وقفازات خاصة.
في البداية ما هو غاز السارين؟
الغازات المستخدمة في الحرب الكيماوية كثيرة ويزيد عددها عن 50 نوعا من الغازات السامة، التي تقتل المتعرضين لها، ويعد "السارين" من أخطرها وتعتبر سميته أكثر من 26 ضعف التسمم بالسيانيد، وهو غاز لا لون له أو طعم ولا رائحة، ويحفظ سائلا وعند إطلاقه في الهواء يتحول للحالة الغازية ولا يوجد في الطبيعة، واكتشف هذا الغاز اثنان من العلماء الألمان عام 1938 في محاولة لخلق أقوى المبيدات لحماية النباتات من الحشرات الضارة، ويشبه أنواع معينة من المبيدات الحشرية (قاتلة الحشرات) تسمى الفوسفات العضوية organophosphates، وتأثيره أقوى بكثير من مبيدات الآفات العضوية الفوسفاتية.
بعد إطلاق السارين في الهواء، يمكن أن يتعرض الناس من خلال ملامسة الجلد أو العين أو عن طريق تنفس الهواء الذي يحتوي على السارين، ويمكن للسارين أن يمتزج بسهولة بالماء بعد إطلاقه فيها وأيضا يمكن أن يتعرض الإنسان للتسمم إذا أكل طعاما ملوثا بالسارين.. ويمكن للملابس أن تخرج أبخرة السارين إذا تعرضت للغاز ويصيب آخرين، ونظرًا لأن بخار السارين أثقل من الهواء، فإنه سوف ينزل في المناطق المنخفضة ويسبب خطورة أكبر.
أعراض وعلامات التسمم بالسارين
الغاز عديم الرائحة، وعندما يتعرض الإنسان إلى جرعة صغيرة إلى متوسطة منه يتنفس الهواء الملوث، أو يأكل طعاما ملوثا، أو يشرب مياه ملوثة، أو يلمس سطحا ملوثا تظهر عليه الأعراض في خلال ثواني إلى ساعات وتتمثل الأعراض في الآتي:
"سيلان الأنف، ودموع غزيرة بالعين بدون توقف، وبؤبؤ العين صغير جدا مثل رأس الدبوس، وزغللة في العين وعدم وضوح في الرؤية، وسيلان في اللعاب، وعرق غزير، وكحة، وضيق بالصدر، وتنفس سريع، وإسهال، وغثيان وقيء مع أو بدون ألم في البطن، وزيادة في التبول، ودوخة، وضعف وصداع، وزيادة أو بطء في سرعة ضربات القلب، وانخفاض أو ارتفاع ضغط الدم. وحتى مع سقوط نقطة صغيرة من السارين على الجلد يسبب تعرق وارتعاش في العضلات بالمكان الذي لامسه.
عند التعرض لجرعة كبيرة من السارين يحدث الآتي: فقدان للوعي، وتشنجات، وشلل، وفشل في الجهاز التنفسي نتيجة حدوث عملية الشهيق دون الزفير المؤدي إلى الوفاة، (وحتى عند ظهور هذه الأعراض لا يعني بالضرورة أن الشخص قد تعرض للسارين).
ويرجع تأثير السارين كغاز للأعصاب أنه يعمل على الإشارات الكيميائية بين الخلايا العصبية بعضها البعض.. فمثلا لكي تنقبض عضلة في الجسم، ترسل الخلية العصبية إلى الخلية العصبية الأخرى مادة كيميائية (ناقل عصبي) يسمى أسيتيل كولين (Acetyl choline) وتنتقل الإشارات بين الخلايا العصبية إلى الألياف العضلية وتنقبض، ولكي تنبسط العضلة تحتاج إلى إنزيم آخر يسمى اسيتيل كولين استراز (Acetyl choline esterase) لكى يكسر الاسيتيل كولين فتبسط العضلة مرة أخرى، ويعمل غازين السارين على منع الاستيل كولين استراز، فالعضلة تنقبض ولا تنبسط، وتظل الغدد والعضلات مستثارة وتعمل بدون توقف.
جدير بالذكر أن الأشخاص الذين تعرضوا للغاز يصابون بالتعب ولا يستطيعون الاستمرارية في التنفس لعدم القدرة في التحكم بعضلات الجهاز التنفسي.
في حالة التعرض لغاز السارين كيف تتم الوقاية والعلاج؟
يستخدم الترياق أو مضاد السموم الخاص به (antidote) وهو الاتروبين والبراليدوكسيم، وتكون الوقاية بترك المكان والابتعاد الفوري عنه لتقليل حدوث الوفاة الذي تم رش السارين فيها إلى مكان آخر، والصعود إلى أماكن مرتفعة لأن الغاز أثقل من الهواء، ويتم التخلص من الملابس (وضرورة قطع الملابس مع عدم خلعها من الرأس) وغسل الجسم كاملا بالماء والصابون والحصول على الرعاية الطبية بأقصى سرعة.. وطول الفترة الزمنية للتعرض سوف تظهر الأعراض خلال ثوان معدودة بعد التعرض للسارين عندما يكون في صورة بخار، وخلال فترة تتراوح ما بين دقائق معدودة إلى 18 ساعة بعد التعرض له فى صورته السائلة. تجد أن مدة بقاء غاز السارين في الجو خلال الصيف من 10 دقائق إلى 24 ساعة، وفي الشتاء من ساعتين إلى 3 أيام.. ويتم اختبار التسمم به عن طريق قياس كمية (cholinesterase) الكولين استراز في الدم، إذا كانت كميتها أقل من نصف الكمية الطبيعية، ويكون الشخص قد تعرض للسارين مع ظهور الأعراض السابقة وحتى بعد العلاج يظل (منخفض لمدة أشهر).
ومؤكد أن أعراض التسمم بغاز السارين الناتجة عن تدمير الجهاز العصبي مختلفة عن أعراض الإصابة بفيروس كورونا، الذي يصيب جهاز المناعة إضافة إلى أن مدة بقائه في الجو وحدود انتشاره، حتى العلاجات والأدوية المستخدمة مختلفة.
وأخيرا تم الكشف عن فيروس كورونا في عينات المصابين وثبت إيجابيتها وتستخدم تحاليل معروفة منهاpolymerase chain reaction (PCR) test ولها القدرة على تحديد العدوى الفيروسية حتى مع المستويات المنخفضة من العدوى، وتأخذ مسحات من البلعوم الأنفي والبلغم.. أما المسحات من الحلق مفيدة في الأسبوع الأول من المرض لأن الفيروس يختفي من الحلق ويتكاثر في الرئة بعد ذلك للمصابين، في الأسبوع الثاني تأخذ العينات من المسالك الهوائية العميقة عن طريق القسطرة مص أو طرد البلغم.
طريقة أخرى (Non PCR) ووافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على اختبار جديد أجرته شركة أبوت لابز باستخدام تقنية تضخيم الحمض النووي المتساوي الحرارة (isothermal nucleic acid amplification technology) بدلًا من PCR نظرًا لأن هذا لا يتطلب وقتا، فإن هذه الطريقة يمكن أن تحقق نتائج إيجابية في أقل من خمس دقائق ونتائج سلبية في 13 دقيقة، وأعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مارس 2020، ويوجد طريقة ثالثة وهي مسح الصدر بالأشعة المقطعية والتصوير الشعاعي، وأخيرا يوجد الكشف عن الأجسام المضادة (IgM and IgG) بالذات من اليوم السابع للعدوى وما بعدها.
وكما هو واضح من خلال العلم والعقل فما يواجهه العالم حاليا هو مرض فيروسي جائح للحديث بقية عن متى سننتهي من الكرونا.
* الكاتبة متتخصصة في الميكروبيولوجي والمناعة
المصدر : صدي البلد