اللعب بالبيض والحجر

من أشهر الأفلام وأذكاها والتي قدمها الفنان الراحل أحمد ذكي فيلم البيضه والحجر، الفيلم يروي بكل بساطة كيف يتم التأثير علي العقول،، إذا كنت علي وعي بالأمور وتتمتع بنسبة من الذكاء،، فإنك تستطيع وبسهولة جذب الناس مهما كانت ثقافتهم ومهما كان مستواهم المادي أو الأدبي، و رغم التطور العلمي والتكنولوجيا إلا أن العالم بأثره مازال يعتقد أن هناك قوة خفية مستترة قد تسيطر علي مجريات الحياة، ويحاول البعض الوصول إليها، فيقع فريسة لهؤلاء الحواة.
وهنا ينقسم البشر إلي أقسام، منهم من يعتقد أن السر يكمن في القوة الإلهية وعظمتها، فيتجه نحو الدين،، ويتعبد، ويتأمل، ويبحث عن أسرار الكون، ويتحمل معيشته، ظنًا منه أن التحمل وسيلة للتقرب من المولي عز وجل، وهي حقيقة بالفعل، فإن أفضل وسيلة لتتعايش مع الحياة هو التعمق في مفهوم الإبتلاء وكيفية الصبر عليه، مع تفهم الحكمة الشهيرة التي وضعها المولي عز وجل، لتنجح في إختبار الدنيا، وهي بكل بساطة، أن تتحمل كل ما تكره من ناحية والحرمان بجميع صوره من ناحية أخري، حتي يُرفَع عنك البلاء، وتحظي بنعيم الآخرة.
القسم الثاني من البشر يحيا طوال حياته بلا وعي، ولا إنتباه لما يحدث حوله،، لم يتعلم الحكمة، فيحيا الحياة كما هي ، ويسعي للتعايش حتي يعبر هذه التجربة بنجاح، دون ثقة منه بالمولي عز وجل، ودون إنتباه للهدف من تلك القصة المُرة التي سوف يأتي يومًا وتنتهي ، ونعود من حيث أتينا، ونلقي مولانا الحق، وهم أٌناس يحيون علي هامش الحياة.
قسم آخر من البشر ، إبتعد عن طريق الأديان والحِكم، وسلك طريقه الخاص، وهو اللعب بالبيض والحجر، واللعب هنا بعيد كل البعد عن منطق السحر والشعوذة، المقصود من الكلام هو كيفية السيطرة علي العقول، وكيف يكون لديك كاريزما، فتلمع ويصبح بريقك يخطف الأبصار.
ولعبة البيض والحجر وإستخدامها في التعامل مع الآخرين، هي بداية نمو الكاريزما والموهبة لعالم الشهرة، ولابد لها من مقومات، في البداية تحتاج للعمل الجاد، وتحاول كسب العقول، ربما بكلمة لينة، أو موقف شجاع، أو مساعدة البعض وتيسير الأمور الصعبة لهم، حتي تٌلفِت النظر إليك، وبعد فترة من الزمن من التحايل والمكر تجد نفسك قد بدأت بالفعل في السيطرة علي العقول، وتتطور الأحداث حتي تصل إلي النضوج الكامل وتتملك من اللعبة حينها تستطيع أن توسع الدائرة، وتحصل علي قاعدة شعبية أوسع، فتتوسع في نشاطاتك، وتصل إلي غايتك.
آخرون برعوا في الوصول لتلك المرحلة،،، في البداية كانت الحياة بالنسبة لهم كأي حياة،، يتعايشون فيها كما يتعايش الآخرون، ومن ثَم يأتي القدر فيرفعهم بعض الدرجات فإذا بهم يتنبهون، أن الحفاظ علي ما وصلوا إليه أصعب بكثير من رحلة الوصول نفسها، حينها تأتي الحيلة ويأتي المكر، وتنضج الكاريزما تدريجيًا، أو بمعني أوقع، يتمكن ذلك الفرد من اللعب بالبيض والحجر، ويصبح مع الوقت كالحاوي، جرابه لا يخلو من المفاجآت، ويتمكن من اللعبة ويكسب القلوب، ويصل لغايته.
مع الأسف الشديد أن الانبهار يُعمي الأبصار والعقول، فينقاد الناس بلا وعي، وينجح لاعب البيض والحجر في السيطرة الكاملة علي العقول، والأسرار تبقي سجينة بداخل القليل من البشر ممن يعلمون الحقيقة، ومع قلة حيلتهم، يراقبون في صمت.
نحن من نعطي فرصة لهؤلاء المحترفين في السيطرة علي عقولنا، لا تنبهر بكل من له بريق، ولا تنجذب للمواقف الزائفة، القليل من البشر من يحيا حقًا لمنفعة الآخرين، والأغلبية العظمي تلعب لحساب نفسها، للوصول إلي النفوذ بكل معانيه، حتي يحقق أمجاد شخصية حتي ولو كانت علي أنقاض الآخرين.
من ضمن المجالات التي يظهر فيها وبوضوح لعبة البيض والحجر مجال السياسة، ومجال الإعلام، في الأصل تلك المجالات تعتمد علي التأثير في الآخرين، واللاعب الماهر هو من يستطيع غسل أكبر قدر من العقول، من يستطيع أن يسعي لتغيير الخريطة العامة للحياة، وقد يُقنِعك تمامًا بقضيته وهي في الأصل قضية واهية لا خير فيها، ولكنه وبكل ما يتمتع به الحاوي من قدرات وتأثير يستطيع قلب الحقائق، وقد ينجح، ويُدمِر من حوله، وهُم علي قناعة تامة بأنهم علي الطريق السليم، وأنهم ممن يحسنون صُنعًا فيفاجأ الجميع، حين تنتهي القصة أنهم ممن ذكرهم المولي عز وجل في كتابه حيث قال(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )
حاول أن تتبنه لهؤلاء، فالانقياد دون التعمق في التفكير ، ودون مراجعة النفس، مصيره الهلاك، لا تلتفت لكل ما يُبهر أو لسِحْر الكلمات، فالأغلبية العظمي يعملون في النهاية للوصول لغايات شخصية، وفِي سبيل تحقيق غايتهم، يمشي كل منهم علي أنقاض عقول الآخرين دون رحمة أو شفقة.

المصدر : صدي البلد