الجنود.. والأثرياء!

مثلما تكشف الأزمات معادن الأبطال وضمائر الرجال، مثلما تفضح ضعف النفوس و"دناءة" عبيد المال .. ومنحتنا تجربة "كورونا" حزمة من المواقف والمشاهد تصنع تاريخا خاصا ومجدا دائما لـ "جنود" فى مواقعهم ومهنتهم ادخروا جهدهم وعرقهم وشرفهم الوظيفى لحماية البشر وخدمة الإنسانية .. ووضعتنا أيضا أمام "فصيلة حيوانية" تستغل الكارثة لأغراضها ومصالحها وتضخيم ثرواتها لتدخل التاريخ هى الأخرى، ولكن ما الباب الخلفى، وفى الدرك الأسفل من النار!.
باغتتنا صدمة الفيروس الصغير المجهول لينشر الذعر والرعب ويغزو العالم من بوابة الجسم والرئة المريضة .. وبفضله لمعت جيوش العطاء والتضحية بالوقت والصحة والمال فى حرب البقاء والوجود .. اتحدت قوافل الأطباء وأطقم التمريض وملائكة الرحمة والواجب فى المستشفيات والمراكز الصحية لإنقاذ المرضى وإسعاف المصابين .. وعكف العلماء والباحثون على أبحاثهم وتجاربهم فى المعامل لسرعة محاصرة الوباء بأمصال النجاة واللقاحات المضادة تاركين منازلهم وعائلاتهم داخل الحجر المنزلى .. وانتشر خلايا النحل من رجال الشرطة فى الشوارع لتنفيذ سياسة الحظر ومنع التجوال حفاظا على الأرواح فى انضباط والتزام وشرف .. ونزلت القوات المسلحة وكتائب الجيش إلى الميدان بالبضائع والسلع الأساسية ومواد الوقاية من المرض وصولا إلى مخيمات الإيواء العازلة فى المدن المفتوحة والأراضى الصحراوية لتوفير ملاذات آمنة لحين انفراج الكُربة .. واحتشد رجال الإعلام والصحافة داخل "استوديوهات التعقيم" ومؤسساتهم القومية والخاصة والمواقع الإلكترونية المحترفة لنقل المعلومة وزرع الطمأنينة فى الشارع وداخل البيوت ليلا ونهارا انطلاقا من مهمة "القوة الناعمة" الأولى فى بناء الوعى وتثبيت الحقائق ..
وخرجت مبادرات "شباب الرئاسة" من بياتها الشتوى وثلاجة "التجميد السياسى" لتنشط بأفكارها ومساعداتها للمواطنين البسطاء وملايين الأسر الفقيرة فى النجوع والقرى والمحافظات لتمارس دورها المفترض فى مثل هذه الظروف العصيبة، وتعبر عن مصداقية رسالتها ووطنية فلسفتها بعد أن كانت موضع شك وحيرة فى الشهور الماضية ومع سيل المؤتمرات والمنتديات العالمية التى أفرزت "شبابا" خارج نطاق الخدمة مؤقتا!.وكان لـ "ثلة" من أثرياء العالم بصماتهم المضيئة فى "حرب كورونا"، ليتبرع الملياردير الأمريكى بيل جيتس مالك شركة مايكروسوفت بـ ١٠٠ مليون دولار للمساعدة فى التوصل لعلاج ولقاح كورونا، وقدم نظيره كينيث جريفين ٧٫٥ مليون دولار لتعقيم المناطق الفقيرة فى آسيا وأفريقيا .. وبادر البريطانى ريتشارد برانسون بتخصيص ٢٥٠ مليونا لدعم مرتبات ٧٠ ألف موظف، ووقف الهندى جوتام آدانى وراء بناء صندوق الطوارئ وتوزيع ١٢٠ ألف كمامة لدعم بلاده بأكثر من ١٣ مليون دولار .. وفتح الروسى رومان أبراموفيتش مالك نادى تشيلسى الإنجليزى فندق النادى لاستضافة الأطباء، وقدم الصيني جاك ما ١٤ مليون دولار لتطوير لقاح كورونا وتوزيع مليون قناع، فيما حوَّلت الإيطالية ماريانا أليوتى مصنعها فى فلورنسا لصنع المطهرات وتوزيعها مجانا، وهو ما اتبعه الفرنسى برنار أرنو فى مصانعه للعطور .. وتبرع الإيطالى جورجيو أرمانى بـ٢٫٢ مليون دولار لشراء أجهزة تنفس للمستشفيات الإيطالية .. وتلك مجرد أمثلة بسيطة وسريعة لسلسلة رجال أعمال سخَّروا أموالهم وجزء من أرصدتهم الثمينة للتضامن مع المتضررين من المحنة، وبنفس المنطق التجارى النفعى سيربحون أضعافا فى المستقبل من واقع الثقة التى فازوا بها من أهل السلطة، والشعبية التى نالوها اجتماعيا بعد المبادرة السخية لانتشال العالم من كبوته الكبرى!.
ويستحق كل هؤلاء الجنود من كل نوع ومضمار هذه المساحة من الحديث لتسجيل بطولاتهم وشجاعتهم .. أما الجانب التراجيدى من مأساة "كورونا" فأبطاله معروفون، وكل واحد منهم يعلم مكانه ويدرك قيمته مقارنة بأصحاب الملاحم ونجوم الأفعال والإنتاج .. وأمامنا يوميا من يقدم ويعطى الدواء للمريض، ومن يفتح أبواب الرزق ويسد الأفواه الجائعة .. ونقرأ ونسمع ونستقبل أخبار من يتكفل بالمحرومين والمحتاجين، ولايكتفى بالجلوس على الأريكة المريحة داخل بيته .. أو بلاتوه تصوير أعماله .. أو منتجعه الأخضر الرحيب، ويسدى النصائح والتحذيرات لطوابير "الغلابة" اللاهثين خلف قوتهم يومهم وطعام أبنائهم!.
– هناك من يقول "لقد فعلت كذا .. وتبرعت بذاك .. وساهمت بذلك" .. والعبد لله يقول لهؤلاء : "صدقتم .. فأين الدليل حتى يقتدى بكم غيركم؟!" .. والقضية أولا وأخيرا يحكمها ضمير الإنسان قبل دوافعه وأطماعه وأحيانا صفقاته مع الكبار .. وهذا الضمير هو الخط الفاصل بين "نُبل" الجنود .. و"جشع" الأثرياء!.

المصدر : صدي البلد