رؤية واقعية في زمن الكورونا

لا أحد ينكر بما لا يدع مجالاً للشك, أن العالم كله يعيش فى هلع وخوف، واستعداد وتقصى وبحث للأمور التى أشعلت داخله نارا ووهما وألما وعذابا، وخيالات لا تنتهى يربطها بالموت تارة وبالحياة تارة أخرى، وبواقع مليئ بالأحداث والأخبار السوداوية التى تمر على أذنيه وعينيه من خلال متابعته لما يحدث فى كل دول العالم بما هو مربوط بذلك الفيروس اللعين "كورونا المستجد"، الذى أرق المضاجع وأيقظ الجفون وشغل العقل وأوجع القلب، وحرك الأعضاء لا إراديا نتيجة القلق النفسى والكبت الداخلى وعودة الحياة الى مسارها القديم.
الكل فى هذا العالم أدرك قيمة الأمن والأمان والحياة دون قلق ودون إنتظار للمجهول حتى وإن كان ذلك المجهول يحمل السعادة، فما بالك أنه لا يحمل إلا دمعات الخدود وأهات القلوب ونحيب الصدور وطنين الأذان وفراق الأحبة ، الكل أدرك أن العالم كله لا يساوى عند الله جناح بعوضه، وأن أمره بين الكاف والنون، كما أن الكل أدرك أن الجميع فى وجع وأن هناك أوجاع كبيرة وكثيرة فى قلب الوطن، وأن كل الأوطان سواء، والكل أدرك أن العالم لن ينتهى ولكن الجميع خائف من الفناء، بل إن البعض جاهز للوداع الأخير وخائف فى نفس الوقت من الرحيل.والكل أدرك أن الجميع خاسر فى تلك المعركة لأن العالم كله يواجه عدو واحد، وأن الأمر جلل وخطير والمعركة طويلة، والكل له نصيب فى دفع الفاتورة وأهم فواتير هذه المعركة هى فاتورة البقاء والفناء، جزء من الفاتورة هو القلق النفسى والخوف وجزء أخر هو التعرض للخطر فى مواجهة المرض، وجزء أخر هو العزل الإجتماعى فى زمن الحرية .فى زمن كورونا المستجد الكل ينتظر الفرح وينتظر النصر فى زمن شعر الجميع فيه بالإنكسار والهزائم، من فيروس جديد لا يٌرى بالعين المجردة ، الجميع ينتظر أن يطلق العنان للقلوب المكلومة، ويرفع الرؤس شامخة فى عنان السماء بعد أن خبئتها جدران الغرف والمنازل الغير مهيأة للعزل الصحى أو الإجتماعى، والكل ينتظر سماع الزغاريد من الرجال قبل النساء لإنهاء الحكاية والقصة الأليمة بعد فقدان الأحبة والأصدقاء والأقارب والأبناء، الكل ينتظر نهاية القصة بفارغ الصبر لطى صفحاتها وفتح صفحات جديدة لا تحمل إلا الأمل والحب والطمأنينة والرجاء من الله أن لا تعود تلك الأيام المخيفة من جديد.
وفى مصر بالتحديد مازلنا نرى النور من الإدارة الذكية للأزمة من قبل القيادة السياسية فى الدولة بل إن الحكومة أظهرت ذكاء وحنكة، ولم تقع فى المحظور كما وقعت دول كثيرة تدعى القوة والسلطة وإمتلاك الإمكانيات، كإيطاليا وأسبانيا وفرنسا وألمانيا وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، فالجميع منهم رسب فى الإختبار وتفوقت مصر، وستكمل مسيرة التحدى بإذن الله، طالما أن الجميع على قلب رجل واحد.
ولأن أزمة كورونا المستجد فى العالم أظهرت الواقع الأليم للدول وأظهرت جوانب الضعف والهشاشة فى الأنظمة الأوروبية، فأظهرت أيضا القوة للدولة المصرية، وأظهرت التحدى المستمر الذى تواجهه من أعدائها فى الداخل بإستمرارية إطلاق الشائعات المرتبطة بمصر فى كل إتجاه، وبالرغم من ذلك أظهرت الأزمة قدرة العالم على التمييز ما بين الصواب والخطأ، وما بين القوى والضعيف وما بين الطيب والخبيث، فسقط الخونة من مروجى الشائعات، المتناقضين فى الأقوال والأفعال، وتراجع أغلب مؤيدوهم عن تأيدهم ودعمهم لأنهم وعوا القضية والهدف بعد أعن غٌيبوا عن الواقع لفترات طويلة ـ والأهم أنهم عادوا إلى صوابهم وضالتهم.
الأزمة أظهرت أيضا قوة تكاتف الشعب المصرى العريق مع الحكومة، وأظهرت التكاتف الإجتماعى بين كل فصائل وطبقات المجتمع، بل إن الجميع تكاتف من أجل تقديم نموذجا يحتذى به فى كل مكان وزمان للعدل الإجتماعى وقدسية الحياة.

المصدر : صدي البلد