كورونا ينصف طارق شوقي.. قطار التطوير يودع محطة الهجوم ويصل للرضا بالتغيير

تحول جذري شهدته علاقة الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم بالرأي العام بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد ، حيث شاءت الظروف أن يتحول هذا الفيروس الذي يشكل نقمة على جميع دول العالم أجمع لارتباطه بحصد أرواح البشر يمينا و يسارا ، إلى نعمة كبيرة بل وًاصبح بمثابة تميمة الحظ التي ساعدت الدكتور طارق شوقي على إحياء الأمل بداخله من جديد بعد سنوات ظل فيها يعاني من الهجوم الحاد والكلمات المحبطة والسخرية الشديدة من قراراته بل و وصل الامر إلى حد أنه تحمل الاهانة من البعض بعد كل قرار او خطوة جديدة يتخذها لتطوير التعليم في مصر.
فمنذ أن تولى طارق شوقي منصب وزير التربية والتعليم في 16 فبراير 2017 حتى الآن ، بذل مجهودا كبيرا لإقناع المصريين بأنه آن الأوان لتغيير نظام التعليم القائم على الحفظ والتلقين والدروس الخصوصية واستبداله بنظام جديد قائم على الفهم والتعلم الذاتي الحقيقي الذي يضمن للمتعلم اجادة مهارات جديدة تمكنه من أن ينافس ويشارك في بناء مصر المستقبل.
حيث هاجم الجميع "شوقي" مع البدء الإعلان عن فكرة توزيع التابلت على طلاب الصف الأول الثانوي العام الدراسي الماضي ، وإلزامهم بأداء الامتحان إلكترونيا بأسئلة تقيس الفهم ، بدلا من فكرة الامتحانات الورقية التي تعتمد اسئلتها على حفظ و الإجابات النموذجية ، حيث شهدت هذه الفترة حالة غضب كبيرة ورفض تام من الرأي العام ، حيث زعم البعض في هذا الوقت أن هذه الخطة سوف تفشل فشلا زريعا و سوف تدمر الطلاب وتدمر التعليم كله ، لأن قرى ونجوع مصر ليس بها انترنت ولن تستطيع الوزارة تحقيق فكرة الامتحانات الالكترونية إلا في الحلم .
ولكن "شوقي" لم يلتفت لكل هذه الاعتراضات ، وبدء جديا في تنفيذ خطته ، فتم وضع الشبكات الداخلية والسيرفرات بمدارسنا الحكومية وذلك بـ2313 مدرسة بمشاركة 65 شركة مصرية تعمل في مجال التكنولوجيا ، وتم توصيل شبكة ألياف ضوئية في 2500 مدرسة ثانوي على مستوى الجمهورية لتوفير أعلى سرعة إنترنت، كما تم تركيب شاشات تفاعلية في المدارس الثانوية ، وتوفير البنية التحتية اللازمة لعقد الامتحانات الالكترونية ، ثم تم توزيع أجهزة تابلت على طلاب الصف الاول الثانوي العام الماضي لأكثر من (700) ألف طالب.
كما تم بناء بنوك أسئلة في المركز القومي للامتحانات والتقويم بالتعاون مع شركة pearson ، وتم إعداد نظام التصحيح الإلكتروني وتدريب المعلمين عليه ، وتم إعداد 50 لجنة تصحيحية على مستوى الجمهورية للتصحيح الإلكتروني ، وإلى جانب كل ذلك : تم إعداد نظام إدارة التعلم القومي "LMS" وتجهيزه على بنك المعرفة المصري، وإعداد مواد تعليمية رقمية مقابلة لنواتج التعلم في مناهج الصف الأول الثانوي بصورة تفاعلية من مؤسسات دولية ومصرية، يمكن للطالب الدخول إليها عبر منصة إدارة التعليم من الرابط: LMS.EKB.EG.
ومع بدء تطبيق اول امتحان إلكتروني "تجريبي" على التابلت العام الماضي ومع اول يوم لتجربة تشغيل منصة الامتحان ، تعرضت المنصة لبعض المشاكل التقنية التي استغلها المعارضون على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر ، وبدأ الجميع يروج لفكرة "السيستم وقع والنظام فشل".
إصابة طبيب بفيروس كورونا بالقصر العيني.. وعزل 14 آخرين
جامعة القاهرة تنفي وجود حالات مصابة بفيروس كورونا في مستشفياتهالكن هذه الرسائل المحبطة التي ملأت "السوشيال ميديا" في ذلك الوقت لم تنجح في إحباط "طارق شوقي" وصمم على استكمال التجربة دون اي تراجع ، بل خرج على الرأي العام معلنا أنه قد تم اكتشاف مشكلتين فقط في البرمجة و المهندسون المصريون في الوزارة نجحوا في علاجها في 28 ساعة من العمل المتواصل ، ثم لتعود منصة الامتحان للعمل بكفاءة من 25 مارس 2019.
وبالفعل استكمل شوقي مسيرة الامتحانات الالكترونية لطلاب الصف الأول الثانوي العام الماضي ، وبدأ يعمل هو و فريقه على حل المشكلات التقنية التي تظهر على منصة الامتحان تدريجيا ، حتى وصل الأمر إلى انتظام عمل منصة الامتحان دون اي مشاكل .
وعلى جانب آخر .. واجه شوقي معارضة جبارة لفكرة تشجيع طلاب المدارس على الدخول على بنك المعرفة المصري والبحث عن المعلومات في بحر المصادر الموثوق فيها الموجودة عليه والاعتماد على الدروس المشروحة فيه بدلا من اللجوء لابتزاز معلمي و مراكز الدروس الخصوصية، وأعلن شوقي مرارا وتكرارا عن وضع أفلام ومراجع متعددة على بنك المعرفة المصري، مؤكدًا أن هذا البنك يعد أكبر مكتبة رقمية، لمساعدة الطالب على الفهم ، إلا أن الرأي العام هاجمه أيضا على هذه الخطوة و اتهمه بأنه يروج فقط لهذا البنك لأنه مشروعه المربح ماديا ، وزعم الكثيرون ان هذا البنك غير مفيد وأنه "فلوس في الارض" وأن الطلاب يتجاهلونه تماما "لأن معندهمش وقت".
ولكن بعد مرور الوقت .. جاء فيروس كورونا المستجد ، ليقلب كل الموازين رأسا على عقب ، بما كان يهاجمه الناس من قبل قدروا قيمته الآن ، حيث صدر قرار بتعليق الدراسة في جميع مدارس مصر خوفا من انتشار فيروس كورونا ، وأغلقت الفصول أبوابها وجلس الطلاب في منازلهم ينتظرون بترقب و قلق مصير دراستهم الغامض ، وعبروا عن رعبهم من فكرة النزول في لجان الامتحانات خوفا من الاصابة بـ كورونا في تجمعات الطلاب.
وهنا ظهرت قرارات طارق شوقي التي أسعدت الطلاب وأولياء امورهم سعادة ممزوجة بالقلق من فكرة التغيير ، حيث قرر الوزير عدم عقد امتحانات تقليدية في اللجان لطلاب الصفوف من 3 ابتدائي حتى 3 اعدادي ، على أن يتم استبدال هذه الامتحانات بمشروعات بحثية بسيطة يعدها الطلاب من المنازل إلكترونيا ، ولتيهسل هذه المهمة لجأ وزير التربية و التعليم بوابة بنك المعرفة و أخرج من باطنها مولودا جديدا يسمى المكتبة الرقمية "ذاكر" ، أتاح خلالها لطلاب المدارس إمكانية الدخول بدون حاجة لتسجيل حسابات معينة او كلمات سر ، ليجد الطالب نفسه أمام بحر من المعلومات الدراسية و شروحات لدروسه التعليمية بكافة الطرق التفاعلية الممتعة والتي تعوض الطلاب عن فترة تعليق الدراسة.
وقال الوزير لجميع الطلاب : ادخلوا على المكتبة الرقمية و اعتمدوا عليها وستجدون فيها المعلومات المطلوبة في أبحاثهم ، ونتعهد بأن نقدر مجهودكم فمجرد المحاولة البحثية كفيلة بأن تجعلنا نمنحكم النجاح للانتقال للصف الأعلى وسط هذه الظروف.
كما أثلج الوزير صدور أولياء أمور وطلاب الشهادة الإعدادية ، بعد ان استجاب لمطالبهم ، أعفاهم من النزول إلى لجان الامتحان التقليدية ، حيث قرر الاكتفاء بتقييم هؤلاء الطلاب أيضًا بمشروعات بحثية بسيطة مثلهم مثل صفوف النقل من المنازل ، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ التعليم المصري ، وذلك أيضا بفضل فريق التطوير التكنولوجي الذي عمل على إتاحة كافة المعلومات الدراسية التي يمكن أن يحتاجها في أبحاثهم على المنصة الرقمية "ذاكر".
أما عن مصير طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي ، فقد قرر الوزير لهم أن يمتحنوا في منازلهم و وفر عليهم الذهاب للمدارس وسط مخاوف انتشار كورونا ، وساعده في ذلك أجهزة التابلت ومنصة الامتحان التي سخر منها الجميع ورفضها في الوقت السابق.
وبالنسبة لطلاب الثانوية العامة قال الوزير أنه أتاح لهم كافة المواد التعليمية التي ستفيدهم في التحضير للامتحان و تعوضهم عن إغلاق مراكز الدروس الخصوصية وذلك على كل من المكتبة الرقمية ذاكر و بنك المعرفة المصري والقنوات التعليمية .
والأمر لم يقتصر على ذلك .. بفضل اهتمام الوزير بفكرة إدخال التكنولوجيا في التعليم ، حرص على بناء منصة للتواصل تدعى ادمودو edmodo لتسهيل عملية التواصل بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور في فصول افتراضية أشبه بفصولهم الحقيقية ، وذلك حتى يستفيد الطلاب بدعم ومساعدة معلميهم في إعداد مشروعاتهم البحثية المطلوبة للتقييم.
كل هذه القرارات وغيرها ، جعلت بعض أولياء الأمور يكتبون على فيس بوك قائلين "اولادي دفعة حبايب طارق شوقي" .. كما عبر مؤسسو ائتلافات أولياءالأمور عن رضاهم عن أداء الدكتور طارق شوقي في إدارة أزمة كورونا ، للدرجة التي جعلت مصر من الدول القليلة جدا التي نجحت في الحفاظ على تعليم ابنائها رغم ازمة كورونا، وأكد أولياء الأمور أن قرارات شوقي الاخيرة رحمت أبناءهم من ابتزاز معلمي الدروس الخصوصية ودفعتهم لطريق التعلم الحقيقي القائم على البحث والفهم بعد سنوات من الحفظ والتلقين.
كما أشاد الخبير الطبي المصري الشهير الدكتور هاني الناظر بأداء شوقي قائلا : كلمة حق يجب ان تقال عن رجل لا تجمعني به اي علاقة شخصية او اجتماعية ولا يوجد بيننا اي مصلحة عمل من قريب او بعيد ولم نلتقي أو يحدث بيننا اي تعارف من قبل وحتى هذه اللحظة ..رجل تعرض للنقد والهجوم كثيرا ولكنه تحمل .. انه الاستاذ الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم فقد كان صاحب فكرة التابلت ونشر ثقافة التعليم الإلكتروني بين الطلاب والآن وفي هذه الظروف ادرك المجتمع المصري أهمية هذه النظرة العلمية المستقبلية وتطبيقاتها …بدون اأي مجاملة شكرًا سيادة الوزير
إن ما حدث مع الدكتور طارق شوقي يدل على أن صاحب الحلم لا يصح أن يفقد الامل في تحقيقه ، بل فريضة عليه أن يسعى ويجتهد مهما أحبطه المحيطون .. فالحق أحق أن يتبع وينتصر الحق ولو بعد حين.

المصدر : صدي البلد