مرت مصر والعالم الإسلامي بمحن ونوازل كثيرة، كان لرجال الدين سواء من المسلمين أو المسيحيين دور كبير في تثبيت الجنود في المعارك وتثبيت الشعب وقت المحن وشحذ هممهم وجمع كلمتهم، وفي كتب التاريخ شواهد كثيرة تتحدث عن مواقف رجال الدين في تلك المحن .
فلم يتخلف رجال الدين من المسلمين أو المسيحيين عن القيام بدورهم وأداء الأمانة الدينية والوطنية التى تحملوها. فهذا العز بن عبد السلام سلطان العلماء شارك أهالي المنصورة بلسانه ويده في معركة المنصورة ضد حملة لويس التاسع عام 1249م ، وفي حرب التتار قام العز بن عبد السلام هو والقضاة والفقهاء بتزكية روح الإيمان والجهاد في شعب مصر.
وفي ثورة 1919 توحد رجال الدين المسلمون والمسيحيون وشاركوا في المظاهرات مع الشعب بل وقادوها، وحملت المظاهرات الهلال والصليب، وكانت جنائز الشهداء تشيع للمسلمين والمسيحيين سويًا .
وكذلك استعانت القوات المسلحة أثناء استعدادها لحرب أكتوبر برجال الدين من المسلمين والمسيحيين ومنهم الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ عبد الحليم محمود، والبابا شنودة الثالث والأنبا صموئيل أسقف الخدمات؛ لحث الجنود على الجهاد، واستعان شيخ الأزهر آنذاك بأساتذة الجامعة ورجال الدعوة لتعبئة الروح المعنوية للجيش فنزلوا بين الجنود في ساحة القتال لشحذ الهمم وتقوية روح الإيمان، وكانوا يحملون تصريحات خاصة يتقدمون بها إلى خطوط القتال الأولى .
وكيف أن الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله، كان قد جاوز الثمانين، ومع ذلك كان يصحب تلميذه آنذاك الشيخ الدكتور إسماعيل الدفتار، للذهاب إلى السويس للالتقاء بالقيادات الشعبية والتنفيذية والضباط والجنود من أجل تثبيتهم ورفع روحهم المعنوية.
وقال الشيخ مأمون في مذكراته: في عام 1956م: "أثناء العدوان الثلاثي على مصر، كنت أمر بسيارة على جسر كوبري قصر النيل، وكان معي أصغر أبنائي (طالب بكلية الهندسة ) كان يقود السيارة فبكى لما وجد بعض الشباب يقومون على حراسة الكوبري، وقال: أصغر مني سنًّا وهم يقومون بواجبهم الوطني وأنا اسوق عربية، فقلت له ما دام شعورك هكذا فانزل من السيارة واتركني وقم بواجبك، ولم يلبث حتى نفذ الوصية، وتولى حراسة كوبري مسطرد، ولم يعد إلا بعد النصر".
كما قام جميع الأساقفة بمصر بتوجيه نداء لكل أبناء الطائفة للتبرع بدمائهم للمصابين، فضلًا عن تقديم بعض المستلزمات لكل المصابين في المستشفيات، بخلاف عمل الراهبات كتمريض في كل المستشفيات وبعض الاديرة في مدن القناة فتحت لاستقبال مصابي حرب أكتوبر.
تلك من أروع المواقف لرجال الدين وغيرها الكثير مما سطره التاريخ ويضيق المقام عن ذكره.
ونحن اليوم بصدد محنة ونازلة تعصف بالعالم أجمع، فوجدنا في مصر رجال الجيش والشرطة -حفظهم الله- على أهُبة استعداد كما عهدناهم دائمًا، ووجدنا الأطباء يتفانون في عملهم لإنقاذ المرضى، ويقفون في الصف الأول لمواجهة الكارثة ومعهم كل الكوادر الطبية من ممرضين وممرضات وعاملين وعاملات، حتى أنهم فتحوا باب التطوع لطلبة الطب لمساعدتهم مما ينبئ بخطورة الوضع .
ومن هنا ينبغي أن يمارس رجال الدين من الواعظين والواعظات والشماسين وخدام الكنائس دورهم التاريخي، ويسطروا بطولاتهم في ملحمة التاريخ، فلا يكتفون بالجلوس أمام الهواتف والأجهزة الإلكترونية ليقدموا الفتاوى لمن يسأل، بل لابد من أن يكون لهم مشاركة إيجابية فاعلة، وأن يتواجدوا في الساحة العملية جنبًا إلى جنب مع الأطباء ورجال الجيش والشرطة، بل ويتقدموا الصفوف تنظيمًا وترتيبًا ودعمًا وتشجيعًا للمرضى والمصابين وفيما يلي اقتراح بكيفية التطبيق:
1- نزول الوعاظ والواعظات وخدام الكنائس والشماسين إلى الشوارع مع رجال الجيش والشرطة لتنظيم الناس ووعظهم بالالتزام بالأخلاق وطاعة ولي الأمر وحب الوطن .
2- نزول الوعاظ والواعظات وخدام الكنائس والشماسين مع الأطباء في المستشفيات لتنظيم المرضى وتوعيتهم .
3- إقامة عدد من الوعاظ والواعظات وخدام الكنائس والشماسين في الحجر الصحي لتهدئة المرضى ورفع الروح المعنوية عند الأطباء والمرضى ورفع درجة الإيمان.
4- نزول الوعاظ والواعظات وخدام الكنائس والشماسين إلى الأسواق وأماكن التجمعات والمواصلات العامة لمساعدة أمن تلك الأماكن في تنظيم الناس وتطهيرهم معنويًا وحسيًا وتنفيذ كافة إجراءات الوقاية الصحية .
5- نزول الوعاظ والواعظات وخدام الكنائس والشماسين إلى البنوك ومكاتب البريد لتنظيم الناس ووعظهم بالالتزام بالأخلاق وتنفيذ كافة إجراءات الوقاية الصحية .
المصدر : صدي البلد