نسرين فؤاد تكتب: كورونا .. مسئولية فردية أم مجتمعية؟

يقول الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" صدق الله العظيم الآية ٢ من سورة المائدة.. بهذه الآية الكريمة دعا الله تعالي الي مكارم الاخلاق والتعاون والتحلي بالمسئولية. فلا تستقيم حياة ولا تستقيم اى مجتمعات الا بتضافر جهود جميع أفرادها، فعندما تغلب الأنانية والفردية على سمات الأشخاص تضيع كل الحقوق ولانعرف للواجب طريقا، و المسئولية المجتمعية تعد من أهم الأسس التى تقوم عليها حياة المجتمعات وحياة الأفراد وتعد مكسبا لدى الفرد عندما يجد ان دوره محرك رئيسى فى أحداث مجتمعه من خلال مؤازرة الآخرين فى حل المشكلات ومجابهة الازمات.
ونحن الآن فى أشد الحاجة إلى أن نتفهم ان لكل منا دورا مهما ومؤثرا يجب أن نؤديه بكل ضمير ووعى، لذا تبرز أهمية مشاركة الفرد فى خدمة مؤسسات المجتمع كل حسب إمكانياته وقدراته ومواهبه فى مختلف الظروف وفى الظروف الصعبة بشكل خاص.
يقول لاعب كرة السلة الشهير مايكل جوردن:"الموهبة تجعلك تفوز بالألعاب، ولكن العمل الجماعي يجعلنا نحصد البطولات".
العالم اليوم يتعرض لجائحة عالمية .. مرض لعين لايفرق بين كبير أو صغير .. بين مسئول مهم أو مواطن عادى، فيروس كورونا مرض نعم ولكنه استطاع ان يوحد الاعراق بالألم .. ويذيق الجميع مرارة الموت .. وتعدى انتشاره كل الحدود الجغرافية بدءا بالصين بؤرة ومصدر الفيروس ليشمل كل أنحاء العالم تقريبا، ما فرض على كل الدول ضرورة اتخاذ كل التدابير الاحترازية الصارمة لوقف تفشيه الحاصد للأرواح.
تسبب فيروس كورونا الجديد فى تغيير جميع مسارات البلدان السياسية والاقتصادية، وكشف بدوره عن قدرة الدول والحكومات الحقيقية على الصمود ومجابهة الوباء بشكل فردى، وبرزت هنا أهمية المجتمع المدنى المكون من أفراد المجتمع الواحد ذلك فى تحقيق المساندة الحقيقية فى اطار عمل جماعى لا يستمر بالإكراه بل بالإيمان بأن منظمات ومؤسسات الدولة لن تستطيع وحدها انجاز المهمة الصعبة.
فمن أهم سمات منظمات المجتمع المدنى التطوع اللاإرادى وغير الجبرى والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وتجاه الاخرين دون أن يُطلب منهم ذلك حتى وإن كان هذا الدور يقتصر على النصح والتوجيه لمن يتغافل عن الخطر الذى لاشك مهدد حقيقى لحياتنا وحياة أسرنا.
ومما لاشك فيه اننا بحاجة ماسة إلى ترتيب البيت من الداخل بعد أن اغلقت أبواب الدول على نفسها وعلينا جميعا أن نستعيد شخصية الفرد السوى والمواطن الايجابي، المواطن القادر على تحمل مسؤولية نفسه ومسؤولية من حوله ومسؤولية مجتمعه، من خلال ممارسات يومية بسيطة لا تكلفه كثيرا من الوقت او الجهد او المال فقط "ابتعد".. هل من الأمور الصعبة؟ لا أعتقد ذلك.
تقول الدكتورة رولا دشتى الأمين التنفيذى للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربى آسيا(الأسكوا) :" إننا أمام أزمة انسان، أزمة مواطن، أزمة معيشة" فـ كورونا ليس فقط أزمة صحية، بل أزمة انسانية على جميع الاصعدة سينتج عنها تداعيات اقتصادية دون شك فالاقتصاد مبنى اساسا على البشر وانا كان الإنسان هو المتضرر فمن البديهى ان يُضر الاقتصاد.
لدينا الان حظر تجول نصفى تم على اثره إغلاق للمحال التجارية وتعطيل الأنشطة الاقتصادية والخدمية، حياة شبه متوقفة، ومصالح تقريبا معطله فى ظل مجتمع يعانى اصلا من الكثير من الاعباء الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، ولربما تزداد بعد تداعيات هذه الازمة ليس فى مصر فقط بل فى العالم اجمع.
من هذه النقطة نعود للمربع صفر، فى هذه الأوقات الصعبة كل مناحى الحياة رغم أهميتها سواء كانت اقتصادية او سياسية او حتى اجتماعية فلربما تمحى أهميتها وقيمتها أمام قيمة البقاء.
سياسيا كل الدول أوصدت أبوابها على نفسها الكل اكتفى بما لديه .. عطلت التجارة وتوقفت حركة الطيران حياة خاوية الا من المرضى والمصابين، وهنا جاءت الفرصة لتظهر كل دولة قدرتها على مجابهة الخطر، كورونا ناقوس يقرع أجراس الموت فى كل مكان، شعوب ترمق الحياة عن بعد، دول تنهار من أعلى عرش قيادة العالم ودول تظهر جلية رغم صغر حجمها فى قدرتها على الحفاظ على حياة مواطنيها بينما دول أخرى تحصد آلاف الموتى كل يوم، دول تعافت واستفاقت وعادت الحياة إليها بشكل تدريجى وضربت المثل للعالم اجمع انها قادرة بالتزام مواطنيها على المواجهة وهنا أنا أتحدث عن الصين بؤرة انتشار الوباء بينما دول أخرى كبرى لازالت تعانى.
لذلك فنحن هنا أمام تحدٍ كبير أيها المصريون فالمسألة أصبحت بأيدينا نحن وليست بيد غيرنا مصير البقاء الآن نحن من نقرره،وأنه لمصدر فخر ان أقر بأننا نجحنا فى ذلك حتى الآن، فدور مصر فى مواجهة وباء كوفيد ١٩ كان ولا يزال محل اشادة فى تقارير منظمة الصحة العالمية والتى أكدت أن مصر لديها فرصة بارزة للسيطرة على المرض ومنعه من مرحلة التفشى في المجتمع التى ضربت دولا كبرى أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وإسبانيا، ففى الوقت الذى عجزت فيه كبرى الدول عن منع أرقام الاصابات من القفز لمعدلات غير مسبوقة وعجزت أمامه الحكومات عن السيطرة على المرض يشيد العالم بشفافية وزارة الصحة وبجهود الطاقم الطبى المصرى من أطباء وتمريض بعملهم بتفان شديد لإنقاذ الأرواح وهم من يواجهون المجهول فى الصفوف الأولى.
مصر كانت من اوائل الدول عربيا فى اتخاذها إجراءات صارمة فى مواجهة تفشى المرض بدأت بتعليق الدراسة وانتهت بتوسيع إجراءاتها لتشمل غلق المنشآت الرياضية والترفيهية والتجارية من السابعة مساء وحتى السادسة صباحا، تبعها إغلاق جميع المطاعم والمقاهي والمراكز التجارية فى التوقيت ذاته، كل هذا للتعامل مع انتشار الفيروس المستجد الذى اصاب العالم بأسره بالذعر.
علينا اذن ان نفخر بأننا ننتمى لأرض هذا الوطن.. هذا الوطن الذى أعلى مصلحة الحياة على مصالحه السياسية والاقتصادية، وعلينا ايضا ان نكون جزءا لا يتجزأ من هذه الإجراءات التى تصب فى النهاية فى مصلحتنا جميعا بكل فرد يعيش على هذه الأرض، الكل يجب أن يتحمل مسؤولياته، فلا قيمة لكل هذه التدابير دون تطبيقها داخليا على أنفسنا قبل غيرنا، وأخيرا ابدأ بنفسك يتغير الكون كله، حفظ الله مصر وشعبها الواعى.

المصدر : صدي البلد